موضوع: شجار في الحديقة الخميس يناير 14, 2010 2:02 pm
شجار في الحديقة
عادت "لكنّ" ذات مساء من حديقة الجملة الاسمية باكية ، بعد أن تسللت "صار" قاصدة الاستخفاف بها ، وطردها من بين عائلة الحروف الناسخة ، باستبدالها حجر النرد الأسود بأبيض من الحجارة التي اعتادت ترتيبها عدة مرات في جلستها على الرقعة التي كانت تتلهى بها " ما هذا أبيض لكنه أسود " ، فأثناء بحثها عن نفسها بعد أن وضعت الأحجار الثلاث الأولى في أماكنها المناسبة من الرقعة " ما - هذا – ابيض - ، قامت " صار" باستبدال الحجر الأسود بالأبيض " ما – هذا- أبيض – لكنه - ..." ، شحب وجهها وهي تحمل الحجر وتقبله بين أصابعها وتعاود قراءته مستغربة مستهجنة " أبيض ، أبيض " ، لقد رتبت حجارتي أكثر من مرّة ماذا حصل ؟ أهي القدرة الإلهية ، أم هو فعل ساحر ؟ من السخف أن تكمل بناء الجملة بما تحمله يدها ، لكن من أراد مداعبتها؟ وهي الجادة دائما ، هذه ليست ممازحة ، هذا فعل عدائي مقصود .
إذن الأمر كذلك ، قالت " إنّ " أختها الكبرى وقد تحلّّقت حولهما أخواتهن ، بعد أن قصت ما حدث . من كان في الحديقة عندما كنت منشغلة في لعبتك ؟
" لكنّ " :- هه ، أه ، نعم يا أبّله ، نعم تذكرت إنها " صار " لمحتها تنظر إلى حجارتي المبعثرة حولي عندما رفعت حجريّ " ما – هذا- " عن يميني ويساري وهممت بوضعهما على رقعتي .
" إنّ " :- " صار ، صار " هكذا إذن ، ما أكثر شغب هذه المسخوطة ، أمس حدثتني أختكن " أنّ " عن عراك نشب بينها وابنة أختها" ليس" المسمى " لات " .
" أنّ " :- نعم أختي العزيزة ف " صار " تلك قادرة على التحول والانتقال من حال إلى حال .
خرجت " إنّ " والشرر يتطاير من نونها المشددة المبنية على الفتح بخطوات مترنحة غير منتظمة مما تعانيه من كسر همزتها بسبب خلع الولادة مارة بطرقات حديقة الجملة الاسمية وقد علاها شيء من العناء والإجهاد تتبعها أخواتها ، إلى حيث " كان "
" كان " :-نعم ، أنا من خطط ودبر ما قلت ، من " لكنّ " ؟ هذه التي تشيع داخل الحديقة أنها تساويني في التركيب لولا تبدّل بعض الأطرف " قالت بعجرفة واستعلاء وهي تقف بين أخواتها فالكثرة تخفف من وحشة الوجوه ورهبتها ، ردت بذلك عندما بدأت " إنّ " عتابها على ما حدث . وعلا صراخ حتى راح يصمّ الآذان ، ف " كان" قوية الشكيمة حادة حاسمة كامرأة لو تزوجت لكانت بعلا لزوجها ، وتبادل الفريقان الهجمات اللفظية، وأرضية الحديقة كأنها تميد تحت أقدامهم ، حتى أن " الفاعل " و" فعله " و" مفاعيل أخرى في حديقة الجملة الفعلية المقابلة توقفوا عن لعبهم الجماعي في كرة تراض بها أجسامهم ، وفي داخلهم أسف عن الصراع الدائر عند الجيران ، لم لا وحديقة الجوار يجب أن تظلّ هادئة لأنها الجزء الآخر من عالم الجملة العربية .
" كان " :- لقد قصّرت " صار " في فعلتها ، كنت أتمنى أن تستبدل الشدّة التي تتباهى بها على نونها بسكون حتى يبطل عملها وتدخلها في المبتدأ والخبر .
" كأن " :- هاك شدّتي ، خذيها ، وسأظلّ عاملة وستبقى عائلة " إنّ " موجودة حاضرة مهما فعلتم من حركات خسيسة ، أمّا أنت أيتها المتعجرفة يا ذات الوجهين فاذهبي إلى عالمك الآخر – عالم الجملة الفعلية – اخرجي من حديقتنا أيتها الناقصة ، استندي إلى فاعلك ودعي المبتدأ والخبر، ولتتحطم عائلتك فمعظمكنّ ذوات وجهين _ " صار المشاغبة وأصبح وأضحى وأمسى وظلّ وبات وما دام- ما دمتم على هذه الخصال فلن تستقيم جملة تتصدرونها " .
" ليس " :- ما تقولينه كلام وضيع ف " كان " وما ذكرت من أخواتي يحبون المجاملة لتبقى العلاقات في عالم الجملة العربية يسودها التعاون ، صحيح أنني على خلاف مع الجملة الفعلية والصلات بيننا معدومة ، إذ أنني لا أسند لأي فاعل ولكن يكفيني فخرا أن تعرفت على شقيقات ظريفات من عالمكن " ما ، لا ، لات ، إن " يقمن بعملي إذا ما انشغلت بأمر ما ، ولكن يبقى المعنى لي واسمي ساطع كالنجم في سماء الجملة الاسمية .
بمثل هذا وأكثر وفخر ب" لا النافية للجنس " من قبل فريق " إنّ "احتدم النقاش وظهر التباهي في ساحة الصراع ، حتى وصل المبتدأ والخبروهما يقفان بعزم وثبات ورؤوس مرفوعة بين طرفي النزاع قبل لحظة الاشتباك بالأيدي ، وصاح المبتدأ قائلا بعد أن استأذن أخاه الخبر بدعوة " إنّ " و " كان " منفردتين عن بقية أخواتهن إلى لقاء في أحدى زوايا الحديقة لمعالجة الموقف ووضع كلمة الفصل للنزاع وتناول فنجان المصالحة . وتعود " أمسى " برفقة أخواتها إلى مقرهما بعد أن جمعت بعض المستنفرات منهن بالقوة وخاصة " ما دام " التي وقعت في حرج عندما سحبتها أختها وأوشكت " ما " أن تسقط من أمامها ، كما حاولت " ليس " الممانعة ولكنها تنازلت عند رغبة أختها " أمسى " التي تعتزم أن تمسي بهن سالمات . وكانت مهمة " أنّ " في جمع أخواتها سهلة على قلة عددهن لولا " ليت " التي كانت تتمنى أن يستمر الصراع لأنها كانت تخطط على نزع الجزء الأول " ما " من " أعدائها " ما زال، ما برح ، ما أنفك ، ما فتئ "حتى تجعلهنّ يفدن النفي الذي لا يؤهلهن للعمل في المبتدأ والخبر بعد إصابتهن
جلست " كان " تقابلها " إنّ " على مقعدين أمام المبتدأ والخبر بظليهما المختلفين في حركة الآخر ، وجّه المبتدأ المرفوع الآخر حديثه ل " كان " قائلا :- إنّ ما جرى في ساحتنا اليوم لأمر مؤسف حقا ، ولولا أن القدر ساقني وزميلي إلى المكان في الوقت المناسب لحصل ما لا يحمد عقباه من خسائر على الطرفين ، بالإضافة إلى السمعة السيئة لعالمنا في الجملة الاسمية خاصة ونحن نجاور صديقة حميمة لم أذكر أن حصل بيننا خلاف ، أيها العزيزان لم لا نحسم خلافاتنا بهدوء وترون ولا تسمع الجارة صوتنا . عذرا صديقي المبتدأ على المقاطعة ، فجميل ما تفضلت به وأردف الخبر المنصوب بعد أسم إنّ مضيفا موجها حديثه إلى الطرفين ، التشابه بينكما عظيم ف " إنّ " الماثلة أمامي وبقية أخواتها يشبهن الأصل الذي تنتمي إليه عزيزتي " كان" فهنّ يشبهن الفعل في عدد الحروف والبناء على الفتح ودخول نون الوقاية على الجميع إضافة إلى التشابه في المعنى ، وأنا وزميلي المبتدأ دائما طوع إرادتكن نرتدي ما يطلب منا لتكنّ فخورات بعملكن ، وأقول ختاما على سبيل المثال لا الحصر ودون محاباة لأحد الطرفين ، ما أرع " كأن " وهي تفيد معنى التشبيه و "إنّ" و"أنّ " وهنّ يفدن التأكيد ، وما أجمل " أصبح " وهي تدلّ على بداية يوم مشرق جميل ، و " كان " وهي تضع الماضي بين أيدينا لنأخذ منه العبر .
تعانقتا بعد أن ندمتا على ما فعلن في أجواء ابتسامات فخر المبتدأ والخبر بهما .